كل الناس بلا استثناء يسعون إلى نيل السعادة والطمأنينة سواء في بيوتهم أو في تعاملاتهم مع الآخرين، ولا شك أن السعادة لا تأتي عبثاً، بل لابد لذلك من اجتهاد وعمل، ومن أسباب السعادة التي إن تحققت جلبت للإنسان راحة واستقرارا في بيته وفي حياته؛ صلاح الأبناء، فإذا رزق الإنسان أولادا صالحين نجباء قائمين بحق الله لاشك أنهم يكونون قرة عين لوالديهم.
حول قضية صلاح الأبناء تحدث فضيلة الدكتور على الشبيلي، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام، والمدرب التربوي والأسري، مؤكدا أن متانة العلاقة بين الزوجين تعتبر المرتكز الحقيقي والقضية الأولى التي ينبني عليها صلاح الأبناء، وأن هذا الصلاح الذي ننشده في أولادنا لابد وأن يتحلى معه الآباء بمجموعة من الصفات والأخلاقيات والمهارات، أولها المحبة والمودة بين الآباء والأمهات، فلا يمكن لإبن ينشأ في بيئة مليئة بالشقاق والعنف والمشاكل، أن نتوقع منه سلوكا منضبطا ونفسية سوية، ولهذا فإننا كثيرا ما نقول أن أعظم ما يقدمه الأب لأبنائه هو حب أمهم، عندما يرى الأبناء هذه العلاقة المتينة بين أبويهم، فإنهم يعيشون في بيئة مستقرة ومريحة، ولهذا ترسخت لدي قناعة بأن كثير من المشكلات والانحرافات السلوكية التي يعاني منها بعض المراهقين سببها افتقادهم لبيوت مستقرة وسعيدة، فالبيوت إما أن تكون جنة وإما أن تكون جحيما، والذي يجعلها جنة هم الآباء والأمهات بلا شك، لأنهم من يتحملون مسؤولية إسعاد أسرهم الصغيرة.
يضيف فضيلة الدكتور أن هناك ثلاثة عناصر رئيسة في بناء علاقة متينة بين أي زوجين: التعلم، والتعاون، والتفاهم، عندما نتأمل هذه العناصر نجدها كانت حية وأساسية في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فقضية تعليم النبي لزوجاته لا تخفى على أي منا، ولهذا فإن تشارك الزوج والزوجة في تعلم شيء جديد، أو قراءة كتاب والمناقشة حوله مثلا يساعد في تقوية العلاقة وكسر كثير من الحواجز، فجميعنا في حاجة دائمة إلى التعلم، وسنبقى في حالة تعلم مستمر حتى نلقى الله عز وجل.
الجانب الثاني هو التعاون، كان النبي صلى الله عليه وسلم في مهنة أهله، يتعاون معهن في أمور بيته، وهذا أيضا من الأشياء المحمودة والمطلوبة في بيوتنا وأسرنا.
العنصر الثالث وهو التفاهم، كانت هناك لغة تفاهم عالية جدا بين النبي وزوجاته، وبينه وبين أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، لدرجة أنه كان صلى الله عليه وسلم يعرف متى هي غاضبة أو راضية دون أن تصرح، هذا الحال ينبغي أن يطبق في أسرنا الحديثة، لكن الإشكال في بيوتنا أن التفاهم في كثير من الأحيان يكون ردة فعل وليس هو أساس التعامل، إذا وقعت مصيبة للأسرة، حينها فقط يبدأ الزوجان في التفاهم لإيجاد مخرج من الأزمة.
أيضا من المحاور المهمة في تربية الأبناء أن يكون الوالدان قدوة في حياة أبنائهم، فأبنائنا أشبه بقطع الإسفنج، يتشربون كل ما يحصل داخل المنزل، فإذا كان الأب يمثل السلطة الضابطة في المنزل، فإن الجهد والعبء والتأثير الأكبر في الأطفال يقع على عاتق الأم، لذا نجد أن إقامة الأب لصلاة النافلة في البيت هو قدوة وتعليم للأبناء يفوق تأثيره عشرات الدروس والنصائح، وعندما يرى الإبن أباه وأمه وهما يتعاملان برقي وتأدب وبر مع الجد أو الجدة، أو يحرصان على الود وصلة الرحم مع العائلة الكبيرة، هذا سينطبع مباشرة في ذهن الأبناء دون توجيه ودون محاضرات، هكذا يتشرب الأبناء سلوك الآباء دون توجيه مباشر.
من ناحية أخرى يرى الشيخ أن الحوار من أهم مرتكزات بناء علاقات أسرية متينة، فنحن بحاجة إلى تفعيل حوارات بناءة ومفيدة داخل منازلنا تقدم إضافة معرفية للنشء، من أجل هذا يحتاج الأب إلى مهارتين رئيسيتين لإقامة حوار بنّاء مع ابن في فترة المراهقة؛ الأولى هي الصبر، والثانية هي الرفق، لأنه أحيانا حينما تنكسر الحواجز بين الوالد والأبناء سيصارحونه بأمور ربما تكون صادمة أو غير مرضية له، حينها سيكون من الضروري التحلي بمهارات الصبر في الاستماع، والرفق في اتخاذ ردة الفعل، واستخدام المنطق الاجتماعي حتى يصل الشاب إلى قناعة قد تنقذه من خطر محدق، فبعض الشباب لديهم من العناد ما يمنعهم من الاستماع إلى أي حق.
ويقول الدكتور الشبيلي أن رب العزة جل وعلا قد أعطانا نعمة كبيرة حين جعل دعوة الوالد لولده لا ترد، والنبي عليه الصلاة والسلام ورد في سيرته العطرة أنه كان يدعوا للصحابة بأسمائهم، لكن هذا للأسف بات من الأشياء التي يغفل عنها الكثير من الآباء في عصرنا الحديث، فما أجمل أن يتحين الإنسان أوقات استجابة الدعاء، كساعة المطر مثلا أو لحظات السجود أو ركعات الوتر في أن يدعو لأبنائه بأسمائهم، فليس هناك أنفع ولا أجدى من أن يقر الله عز وجل عين العبد بأبناء اتقياء صالحين بارين بوالديهم ونافعين لأمتهم.