إن نعم الله عز وجل على الإنسان تترى، ومن أعظم هذه النِّعم - بعد نعمة الإسلام - هي نعمةُ الأمن والأمان، الذي يعد من أهم مطالب الحياة، حيث يعتبر ضرورة لكل نشاط إنساني، فردي أو جماعي، لتحقيق المصالح العامة، كما أنه يعتبر خطوة في استقرار المجتمعات، ومن ثم بناء الحضارة.
حول قضية الأمان يقول فضيلة الدكتور أحمد بن حمد الونيس، عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، أن الأمان هو ذلك الشعور بالطمأنينة وراحة البال، والمجتمع الآمن هو مجتمع خال من كل أسباب الخوف، يعيش أفراده في سلام واطمئنان، والأمان هو أول الطريق إلى تحصيل الرزق، فرزق بلا أمن لن يهنأ الإنسان به أو يتنعم فيه، لذا نجد أن البلاد المستقرة الخالية من القلاقل والاضرابات تزدهر وينتعش فيها الاقتصاد، لأن توافر الأمن يمكِّن العباد من القيام بمصالحهم الدينية والدنيوية؛ فيشهدون الجُمَع والجماعات، ويطلبون العلم النافع، ويخرجون إلى أعمالهم ومعاشهم، هذا كله لا يمكن أن يُحصَّل إلا إذا توفر حد معقول من الأمان للإنسان، والمتأمل في حال الكثير من بلادنا يظهر له ما أنعم الله عز وجل به علينا من نعم لا تحصى، على عكس بعض المجتمعات التي تعيش نهارها وليلها في خوف وهلع، واضطرابات وفتن وقلاقل، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا في سربِهِ، مُعَافَىً في جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا» [رواه الترمذي]، ونحن - ولله الحمد - في نعم عظيمة نسأل الله أن يرزقنا شكرها.
ولأن كل الناس في احتياج للأمن؛ الراعي والرعية، الغني والفقير، الصغير والكبير، فإن تحقُّق الأمان لدى الفرد والمجتمع يتمثل في عدة عوامل:
أولا: الإيمان والتوحيد، فلا شك أن اختلال التوحيد يورث الفتن والنزاعات والاضرابات في المجتمع، وينزع الشعور بالأمان والطمأنينة من نفوس الناس.
ثانيا الإقلاع عن المعاصي، فإنه ما وقع بلاء إلا بذنب، وما رُفِع إلا بتوبة، فكلما عصى العباد ربهم وأسرفوا في ذنوبهم، ابتلاهم الله بأنواع البلاء، ومنه أن يسلبهم الأمن الذي كانوا ينعمون به بسبب معاصيهم، يقول ربنا جل وعلا في كتابه العزيز: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:١١٢]، هذه سُنة الله الجارية؛ أن الناس إذا تغيروا، غيّر الله عز وجل عليهم نعمته، والآيات في ذلك كثيرة.
ثالثا: البعد عن مواطن الفتن، والحذر ممن يثيرها بين الناس، فالفتن إذا وقعت لا تخص أهل الشر فقط، بل تعم لتؤذي الجميع.
رابعا: الاجتماع على الحق، ولزوم جماعة المسلمين، والالفاف حول العلماء الثقات، والحذر من الفرقة، يقول عز من قائل: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:١٠٣].
خامسا: الحذر من اتباع جماعات التكفير وغيرها من الجماعات المتطرفة المخالفة لأهل السنة والجماعة، كل هذه الجماعات ما دخلت بلد إلا زرعت فيه الفرقة والفتن، وأخلّت بالأمن وترتب على ذلك شر عظيم وفساد كبير.
سادسا التثبت مما يُنقل بين الناس، وتجنب الانجراف وراء الشائعات والأخبار الكاذبة التي يروجها مثيروا الفتن، وأصحاب المقاصد الخبيثة، خاصة عبر منافذ الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي.
سابعا: اهتمام الآباء والمربين بالنشء وتربيتهم على الدين القويم، من غير إفراط ولا تفريط، وتوعيتهم من كل فكر دخيل على ديننا وبلادنا، وربطهم بعلماء الأمة الراسخين، وتحذيرهم من أصحاب الأفكار الضالة والمنحرفة.
وأخيرا من عوامل دوام الأمن الدعاء والتضرع إلى الله تعالى أن يحفظ بلادنا من كل مكروه وسوء، فإن الدعاء من أجلّ العبادات، فينبغي علينا أن نتحرى أوقات الاجابة ونسأل الله جل وعلا أن يحفظ بلادنا وولاة أمورنا، ويديم علينا نعمة الأمن والأمان، وأن يدفع عنا كيد الكائدين، ومكر الماكرين.