إن شرائع الإسلام العملية والتطبيقية نقلت إلينا من خلال أفعال رسول الله وأقواله صلى الله عليه وسلم، فلم يقتصر هديه عليه الصلاة والسلام في الدعوة إلى المنهج الرباني الأكمل والطريق الأقوم عند أمور العقيدة والعبادات فقط، بل ربط ذلك بجميع شؤون حياة الناس ودقائق أمورهم، وعلى مر التاريخ لم يحدث أن سجلت تفاصيل حياة أحد من البشر بتلك الدقة التي سجلت بها سيرة النبي، فظل عليه الصلاة والسلام قدوة المسلمين، ونبراس الهداية في حياتهم منذ فجر الإسلام وحتى يومنا هذا.
عن أثر الهدي النبوي في حياة المسلمين أفرادا وجماعات تحدث فضيلة الدكتور عبدالله الشثري، أستاذ الدراسات العليا في كلية أصول الدين - جامعة الإمام بالمملكة العربية السعودية، موضحا في بداية حديثه أن السنة في اللغة هي الطريقة، ومعناها في الشرع اتباع ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، والانتهاء عما نهى عنه، طاعة للأمر القرآني: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُواِ} [الحشر:7]، لذا فالسنة في جوهرها هي شطر الدين الذي ارتضاه الله جل وعلا لعباده، من ثم كانت مكانة السنة عظيمة في الإسلام، لأنها المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن الكريم، جاءت لتفصل ما أجمله القرآن؛ فالصلاة مثلا نزل الأمر بها مجملا في القرآن، لكن بيان هيئتها وصفتها جاء تفصيله في السنة النبوية، وكذلك الزكاة جاءت مجملة في القرآن، ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم الأنصبة تفصيلا في السنة، والأمر ذاته في شأن الحج.
فكل ما جاء في القرآن تأكد عمليا في السنة، لأن السنة كما نعلم هي مبينة للقرآن، والمؤمن حين يسمع أمر الله وأمر رسوله، فإن عليه أن يسعى إلى الاتباع والامتثال والعمل، حتى يتحقق له التوفيق في حياته، ويفوز بما وعده الله تعالى من نعيم مقيم في الآخرة.
من أجل هذا ينبغي على كل مسلم عاقل أن يحرص على تعظيم السنة واتباعها، لأنه اتباع لأمر الله، وهذه السنة المطهرة إذا كانت بهذه المثابة وإذا طبقها المرء في حياته فإن لها ثمرات عظيمة وفوائد جليلة نجملها فيما يلي:
أول هذه الثمرات هو العصمة من الوقوع في الاختلاف المذموم، لأن مخالفة اتباع السنة لا شك أنه يوقع في التنازع، وهذا يضعف الأمة، ويورث الفشل للفرد والمجتمع {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ} [الأنفال:46]، وهذا ما حدث بالفعل للأقوام في الأزمنة المتأخرة حينما خالفوا أمر الله ورسوله فدب فيهم التنازع والضعف والخور، وظهرت بينهم الفرق والتنظيمات وما إلى ذلك من مظاهر للخلاف والشقاق بين المسلمين.
الأمر الثاني هو الحصول على مكارم الأخلاق وتمام الصفات، فقد أثنى الله على نبيه {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] فمتى اتبع المرء سنة النبي تحققت له الأخلاق الفاضلة، وتم له الدين، ولو تحقق ذلك لتخلص المجتمع الإسلامي المعاصر من العديد من مظاهر الفوضى الأخلاقية ومن كثير من المتاعب على كافة الأصعدة.
ثالثا: النجاة من الفتن، يقول المولى عز وجل: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63]، وإذا قلبنا النظر في واقع بعض المسلمين اليوم لوجدنا أن ذلك حادث؛ من تسلط بعضهم على بعض، وفتنة بعضهم ببعض، هذا لم يأت من فراغ، بل جاء من جراء مخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه سنن الله تعالى في الحياة، فالله يقول: {وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ}ۗ [الأنعام:65].
رابعا: تحقق تمام الإيمان والهداية، والسلامة من الضلال ومن غواية الشيطان، ومن ثم نيل السعادة في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الشورى:52].
الأمر الخامس هو حصول الفلاح، أي تحقق المطلوب، والظفر بالمرغوب؛ وهو الفوز بالجنة، وربنا جل وعلا في قرآنه قرن الفلاح بالاتباع حين قال: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف:157].
ويتابع فضيلة الدكتور: إن التمسك بالسنة يجعل المرء يتمكن من أداء العبادة على أتم وجه، فكل مسلم ومسلمة حين يتلو في صلاته {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} فهو يدعو الله أن يهديه سبيل النبي محمد –صلى الله عليه وسلم-، والصراط الذي نصبه الله جل وعلا لعباده، ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [الأنعام:153]، وهنا ينبغي أن نتأمل أن الله عز وجل حين يأمر بأمر عظيم، فإنه ينهى عن ضده مباشرة، وهذا تكرر كثيرا في القرآن؛ لا يأمر سبحانه دون نهي، يأمر ثم ينهي، وهكذا، فإن كل من ابتعد عن هدي وسنة النبي فقد جانب الحق والصواب، وتلك الهداية التي يرجوها المسلم من ربه لن تكون إلا باتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
وخلاصة الأمر أن النجاة والفوز يتحققان بالاعتصام بالقرآن والسنة، مصداقا لقول الله تعالى {وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [آل عمران:101] فمن لجأ إلى الله وأناب إليه كفاه، ومهما وقعت عليه من فتن، فإن الله سوف يحفظه، وهو خير الحافظين.