06 يوليو 2025 | 11 محرم 1447
A+ A- A

خطبة الجمعة المذاعة والموزعة من وزارة الأوقاف بتاريخ 14 من ذي الحجة 1444هـ - الموافق 12 / 8 / 2022م

12 أغسطس 2022

خطبة الجمعة المذاعة والموزعة

بتاريخ 14 من المحرم 1444هـ - الموافق 12 / 8 / 2022م

مَكَانَةُ الصَّحَابَةِ وَمَنْزِلَتُهُمْ

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [ال عمران: 102].

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

عِبَادَ اللهِ:

إِنَّ اللهَ تَعَالَى لَمَّا اصْطَفَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّاسِ أَجْمَعِينَ، اخْتَارَ لَهُ أَفْضَلَ حَوَارِيِّينَ، وَخِيرَةَ صَحْبٍ وَنَاصِرِينَ، اجْتَبَاهُمْ لِحَمْلِ دِينِهِ، وَنُصْرَةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَبْلِيغِ شَرْعِهِ، أَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ عَلَى أَنَّهُمْ أَفْضَلُ الْخَلْقِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ.

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى اطَّلَعَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ ، فَاخْتَارَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ ، وَانْتَخَبَهُ بِعِلْمِهِ ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ النَّاسِ بَعْدَهُ، فَاخْتَارَ لَهُ أَصْحَابًا ، فَجَعَلَهُمْ أَنْصَارَ دِينِهِ ، وَوُزَرَاءَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:

إِنَّ اللهَ تَعَالَى شَهِدَ لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِيمَانِ، وَوَعَدَهُمْ بِأَعَالِي الْجِنَانِ، وَأَحَلَّ عَلَيْهِمُ الرَّحْمَةَ وَالرِّضْوَانَ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:100].

قَوْمٌ لَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ السَّابِقَةُ، لَا يُدَانِيهِمْ أَحَدٌ فِي الْمَنْزِلَةِ، وَلَا يَبْلُغُ قَرِيبًا مِنْهُمْ فِي الدَّرَجَةِ؛ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي. فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً، مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلَا نَصِيفَهُ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:

لَقَدْ كَانَ سَلَفُ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَغْرِسُونَ فِي قُلُوبِ أَوْلَادِهِمْ حُبَّ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ؛ لِمَا لَهُمْ عِنْدَ اللهِ مِنَ الْفَضْلِ وَالدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ؛ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ: (كَانَ السَّلَفُ يُعَلِّمُونَ أَوْلَادَهُمْ حُبَّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- كَمَا يُعَلِّمُونَ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ)، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ -رَحِمَهُ اللهُ-: (مَنْ جَهِلَ فَضْلَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- فَقَدْ جَهِلَ السُّنَّةَ).

إِنَّ حُبَّ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَاعَةٌ وَإِيمَانٌ، وَالِاقْتِدَاءَ بِهِمْ بِرٌّ وَإِحْسَانٌ؛ إِذْ جَمَعُوا الْفَضَائِلَ الزَّكِيَّةَ، وَحَازُوا الْمَرَاتِبَ الْعَلِيَّةَ؛ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: (أُولَئِكَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانُوا أَبَرَّ هَذِهِ الْأُمَّةِ قُلُوبًا، وَأَعْمَقَهَا عِلْمًا، وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا، قَوْمٌ اخْتَارَهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِقَامَةِ دِينِهِ، فَتَشَبَّهُوا بِأَخْلَاقِهِمْ وَطَرَائِقِهِمْ؛ فَإِنَّهُمْ- وَرَبِّ الْكَعْبَةِ- عَلَى الْهَدْيِ الْمُسْتَقِيمِ).

عَظَّمُوا اللهَ فِي قُلُوبِهِمْ، وَوَحَّدُوهُ فِي أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ؛ قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: (الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِهِمْ أَعْظَمُ مِنَ الْجِبَالِ) [رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي الْمُصَنَّفِ]. لَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاضْطَرَبَ النَّاسُ، قَامَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ خَطِيبًا، فَسَطَعَ نُورُ الْيَقِينِ، وَعَلَتْ رَايَةُ التَّوْحِيدِ، فَقَالَ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْحُزْنِ وَالْوَجْدِ: (مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ فَإِنَّ اللهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ).

عِبَادَ اللهِ:

لَقَدْ أَحَبَّ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ نَبِيَّهُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُبًّا عَظِيمًا، وَقَدَّمُوهُ عَلَى النَّفْسِ وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ؛ قَالَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ: (وَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدًا، وَاللَّهِ إِنْ تَنَخَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ).

لَاقَوْا مِنَ الشَّدَائِدِ أَشَدَّهَا، وَمِنَ الْمَصَائِبِ أَحْلَكَهَا؛ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَنَا طَعَامٌ نَأْكُلُهُ إِلَّا وَرَقُ الْحُبْلَةِ وَهَذَا السَّمُرُ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]، وَفِي الأَحْزَابِ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ، وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ، وَفِي حُنَيْنٍ ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، جَعَلَ أَبُو دُجَانَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ظَهْرَهُ دِرْعًا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقِيهِ النِّـبَالَ، وَطُعِنَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي أُحُدٍ بِبِضْعٍ وَثَمَانِينَ ضَرْبَةً فِي جَسَدِهِ؛ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا [الأحزاب:23].

أَنْفَقُوا أَمْوَالَهُمْ، وَبَذَلُوا أَرْوَاحَهُمْ نُصْرَةً لِدِينِ اللهِ تَعَالَى؛ فَأَبُو بَكْرٍ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ، وَعُثْمَانُ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ بِكَمَالِهِ، جَعَلُوا أَمْوَالَهُمْ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْخُذُ مِنْهَا مَا يَشَاءُ وَيَذَرُ مَا يَشَاءُ؛ قَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَصِلْ حِبَالَ مَنْ شِئْتَ، وَاقْطَعْ حِبَالَ مَنْ شِئْتَ، وَسَالِمْ مَنْ شِئْتَ، وَعَادِ مَنْ شِئْتَ، وَخُذْ مِنْ أَمْوَالِنَا مَا شِئْتَ) [رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ].

امْتَدَحَ اللهُ تَعَالَى أَخْلَاقَهُمْ، وَزَكَّى أَحْوَالَهُمْ، وَسَطَّرَ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ سِيرَتَهُمْ؛ قَالَ تَعَالَى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الفتح:29]، قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ- رَحِمَهُ اللهُ-: (كُلُّ مَنْ نَظَرَ إِلَيْهِمْ أَعْجَبُوهُ فِي صَمْتِهِمْ وَحَدِيثِهِمْ).

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:

عَلِّمُوا أَوْلَادَكُمْ: إِيمَانَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ، وَعَلِّمُوهُمْ حَزْمَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ فَإِنَّهُ يَفِرُّ مِنْهُ الشَّيْطَانُ، وَحَيَاءَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ رَجُلٌ تَسْتَحْيِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ، وَشَجَاعَةَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ، وَأَمَانَةَ أَبِي عُبَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأُمَّةِ أَمِينًا.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ،
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى؛ فَإِنَّ مَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَعَصَمَهُ وَآوَاهُ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:

أُولَئِكَ جِيلٌ عَظِيمٌ، وَقَرْنٌ فَرِيدٌ؛ قَالَ عَنْهُمْ شَيْخُ الْإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللهُ-: (لَا كَانَ وَلَا يَكُونُ مِثْلُهُمْ).

ذِكْرُ فَضَائِلِهِمْ عِبَادَةٌ، وَحُبُّهُمْ قُرْبَةٌ وَدِيَانَةٌ؛ عَنِ الْبَـرَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْأَنْصَارِ: «لَا يُحِبُّهُمْ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا يُبْغِضُهُمْ إِلَّا مُنَافِقٌ، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللَّهُ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ].

وَلَقَدْ كَانَ السَّلَفُ إِذَا رَأَوُا الرَّجُلَ يَطْعَنُ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّهَمُوهُ فِي دِينِهِ؛ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ-: (إِذَا رَأَيْتَ رَجُلًا يَذْكُرُ أَحَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ بِسُوءٍ فَاتَّهِمْهُ عَلَى الْإِسْلَامِ). قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ- رَحِمَهُ اللهُ-: (وَكُلُّ مُؤْمِنٍ آمَنَ بِاللهِ فَلِلصَّحَابَةِ عَلَيْهِ الْفَضْلُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَكُلُّ خَيْرٍ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ فَإِنَّمَا هُوَ بِبَرَكَةِ مَا فَعَلَهُ الصَّحَابَةُ).

أُولَئِـكَ أَتْبَاعُ النَّبِـيِّ وَحِزْبُـــهُ      وَلَوْلَاهُمُ مَا كَانَ فِي الأَرْضِ مُسْلِمُ

وَلَوْلَاهُمُ كَادَتْ تَمِيدُ بِأَهْلِهَـــا      وَلَكِـــنْ رَوَاسِيهَــا وَأَوْتَادُهَا هُـــــمُ

وَلَوْلَاهُمُ كَانَتْ ظَلَامًا بِأَهْلِهَا      وَلَكِنْ هُمُ فِيهَا بُـــــدُورٌ وَأَنْجُـــــــمُ

عِبَادَ اللهِ:

فِي هَذَا الشَّهْرِ الْمُحَرَّمِ الْمُبَارَكِ يُسَنُّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ صِيَامِهِ؛ لِمَا لِلصِّيَامِ فِيهِ مِنْ فَضْلٍ عَظِيمٍ، وَأَجْرٍ كَرِيمٍ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ: شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ: صَلَاةُ اللَّيْلِ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ].

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى صَاحِبِ الْوَجْهِ الأَنْوَرِ، وَالْجَبِينِ الأَزْهَرِ، مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الْغُرَرِ، وَمَنْ سَارَ عَلَى هَدْيِهِمْ إِلَى يَوْمِ الْمَحْشَرِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ؛ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ، إِنَّكَ قَرِيبٌ سَمِيعٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ، اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْبَلَاءَ وَالْوَبَاءَ وَالْغَلَاءَ، اللَّهُمَّ احْفَظْنَا مِنَ الزَّلَازِلِ وَالْكَوَارِثِ وَالْفِتَنِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَالسَّلَامَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، وَالْفَوْزَ بِالْجَنَّةِ وَالنَّجَاةَ مِنَ النَّارِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِنَا وَدُنْيَانَا وَأَهْلِنَا وَمَالِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمَا لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَاجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا، سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ المُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت