26 أكتوبر 2024 | 23 ربيع الثاني 1446
A+ A- A

خطبة الجمعة المذاعة والموزعة من وزارة الأوقاف بتاريخ 10 من ربيع الآخر 1444هـ - الموافق 4 / 11 / 2022م

04 نوفمبر 2022

خطبة الجمعة المذاعة والموزعة

بتاريخ 10 من ربيع الآخر 1444هـ - الموافق 4 / 11 / 2022م

تَذْكِيرُ الْأَنَامِ بِصِلَةِ الْأَرْحَامِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي شَرَّفَنَا عَلَى الْأُمَمِ بِالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ، وَقَوَّمَ بِهِ نُفُوسَنَا بَيْنَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ، تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ، أَحْمَدُهُ عَلَى التَّوْفِيقِ لِلتَّحْمِيدِ، وَأَشْكُرُهُ عَلَى نِعْمَةِ التَّوْحِيدِ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةً يَبْقَى ذُخْرُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ رَبُّهُ لِلْخَلَائِقِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا، وَوَهَبَ لَهُ مِنْ فَضْلِهِ خَيْرًا كَثِيرًا، وَنَهَى أَنْ يُدْعَى بِاسْمِهِ تَعْظِيمًا لَهُ وَتَوْقِيرًا، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

أَمَّا بَعْدُ: فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:

إِنَّ مِنْ مَبَادِئِ الْإِسْلَامِ الْعِظَامِ وَرَكَائِزِهِ الْجِسَامِ: بَثَّ الْمَحَبَّةِ وَالْأُلْفَةِ، وَنَبْذَ الْبَغْضَاءِ وَالْفُرْقَةِ؛ قَالَ تَعَالَى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا [آل عمران: 103].

وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]، فَالْمَوَدَّةُ وَالرَّحْمَةُ وَالرَّأْفَةُ وَالشَّفَقَةُ: مِنْ أَجَلِّ مَقَاصِدِ الْإِسْلَامِ الَّتِي تَجْعَلُ أَفْرَادَهُ يَعِيشُونَ حَيَاةً يَمْلَؤُهَا الْأَمَانُ وَالسَّلَامُ، وَيُرَفْرِفُ بَيْنَ جَنَاحَيْهَا الْوِدَادُ وَالْوِئَامُ، وَلِأَجْلِ هَذَا الْمَقْصِدِ الْعَظِيمِ، وَالْمَبْدَإِ الْمَتِينِ أَمَرَ الْإِسْلَامُ بِصِلَةِ الْأَرْحَامِ، وَنَهَى عَنِ الْقَطِيعَةِ وَالْخِصَامِ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:

إِنَّ صِلَةَ الْأَرْحَامِ مِنْ أَوْجَبِ الْوَاجِبَاتِ، وَأَجَلِّ الْقُرُبَاتِ وَالطَّاعَاتِ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ [النساء:1]؛ أَيِ: اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى أَنْ تَعْصُوهُ، وَاتَّقُوا الْأَرْحَامَ أَنْ تَقْطَعُوهَا، وَقَالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ [الرعد:21]؛ أَيْ: وَالَّذِينَ يَصِلُونَ الرَّحِمَ الَّتِي أَمَرَهُمُ اللهُ بِوَصْلِهَا، فَيُعَامِلُونَ الْأَقَارِبَ بِالْمَوَدَّةِ وَالْحُسْنَى، فَيَبْذُلُونَ النَّدَى، وَيَكُفُّونَ الْأَذَى، فَهَؤُلَاءِ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ، وَهِيَ الْعَاقِبَةُ وَالنُّصْرَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَأَخْبَرَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّ مَنْ وَصَلَ رَحِمَهُ؛ وَصَلَهُ اللهُ تَعَالَى بِرَحْمَتِهِ وَعَطْفِهِ وَإِحْسَانِهِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ، قَالَتِ الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَهُوَ لَكِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : فَاقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ [محمد: 22]» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].

أَيُّهَا الْمُبَارَكُونَ:

إِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ أَمَارَةٌ عَلَى كَمَالِ الْإِيمَانِ، وَخَصْلَةٌ مِنْ خِصَالِ أَهْلِ الْوَرَعِ وَالْإِحْسَانِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].

بَلْ إِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِدُخُولِ الْجِنَانِ، وَالْوِقَايَةِ مِنَ النِّيرَانِ؛ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ: أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ]. وَعَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: «وَأَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ: ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ، وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ، وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:

إِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ طُرُقُهَا مَيْسُورَةٌ، وَأَبْوَابُهَا كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ، مِنْهَا: الْبَشَاشَةُ عِنْدَ اللِّقَاءِ، وَإِظْهَارُ اللِّينِ وَالْوَفَاءِ، وَسَلَامَةُ الْقَلْبِ وَالصَّفَاءِ، وَالْمُشَارَكَةُ فِي الْأَفْرَاحِ، وَالْمُوَاسَاةُ فِي الْأَتْرَاحِ، وَبَذْلُ الْمَعْرُوفِ، وَمُسَانَدَةُ الْمَكْرُوبِ؛ فَالصَّدَقَةُ عَلَى الْقَرِيبِ أَعْظَمُ أَجْرًا، وَأَجَلُّ ذُخْرًا؛ قَالَ تَعَالَى: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا [الإسراء:26]. فَأَوْلَى النَّاسِ بِبِرِّكَ وَإِحْسَانِكَ هُمْ أَرْحَامُكَ وَأَقْرِبَاؤُكَ؛ فَعَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ الضَّبِّيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ: صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ» [رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ]. وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّدَقَاتِ أَيُّهَا أَفْضَلُ؟ قَالَ: «عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ» أَيِ الْمُبْغِضِ [رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].

فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْظَى بِرُتْبَةِ الْوَصْلِ، وَيَبْتَعِدَ عَنِ الْقَطِيعَةِ وَالْهَجْرِ؛ فَلْيَغُضَّ الطَّرْفَ عَنِ الْهَفَوَاتِ، وَلْيَعْفُ عَنِ الزَّلَّاتِ، وَلْيَدَعْ طَرِيقَ الْمُحَاسَبَةِ وَالْمُعَاتَبَةِ، وَلْيَتَحَلَّ بِالْمُصَافَحَةِ وَالْمُسَامَحَةِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقَالَ: «لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ - أَيْ كَأَنَّمَا تُطْعِمُهُمُ الرَّمَادَ الحَارَّ- وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا لَا يَنْفَدُ، أَفْضَلَ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَدَ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ – عِبَادَ اللهِ - حَقَّ التَّقْوَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ رَاجِعُونَ، وَعَلَى قَدْرِ أَعْمَالِكُمْ مَجْزِيُّونَ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:

إِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ آثَارُهَا حَسَنَةٌ نَافِعَةٌ، وَثِمَارُهَا طَيِّبَةٌ يَانِعَةٌ؛ فَهِيَ سَبَبٌ فِي سَعَةِ الرِّزْقِ، وَطُولِ الْعُمْرِ، وَمَحَبَّةِ الْأَهْلِ؛ فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِه، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ؛ فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الْأَهْلِ، وَمَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ، وَمَنْسَأَةٌ فِي الْأَثَرِ» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ]. فَعُمْرَانُ الدِّيَارِ، وَبَرَكَةُ الْأَعْمَارِ تُنَالُ بِصِلَةِ الْأَرْحَامِ؛ فَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « صِلَةُ الرَّحِمِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ، وَحُسْنُ الْجِوَارِ، يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ، وَيَزِيدَانِ فِي الْأَعْمَارِ» [رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].

عِبَادَ اللهِ:

إِذَا كَانَتْ صِلَةُ الرَّحِمِ لَهَا هَذِهِ الْمَكَانَةُ الشَّرِيفَةُ، وَالدَّرَجَةُ الْعَالِيَةُ الرَّفِيعَةُ، فَإِنَّ الْقَطِيعَةَ أَمْرُهَا خَطِيرٌ، وَشَرُّهَا مُسْتَطِيرٌ، وَنَذِيرُ شُؤْمٍ عَلَى صَاحِبِهَا؛ فَهِيَ سَبَبٌ لِجَلْبِ لَعْنَةِ اللهِ، وَبُعْدِ الْعَبْدِ عَنْ سَيِّدِهِ وَمَوْلَاهُ؛ قَالَ تَعَالَى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:22-23] فَقَطِيعَةُ الْأَرْحَامِ سَبِيلُ أَهْلِ الْفَسَادِ وَالْآثَامِ، بَلْ إِنَّ الْقَطِيعَةَ كَبِيرَةٌ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، وَسَبَبٌ لِلْحِرْمَانِ مِنْ جَنَّةِ عَلَّامِ الْغُيُوبِ؛ فَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].

وَحَسْبُ قَاطِعِ الرَّحِمِ بَلَاءً وَشَقَاءً وَنَكَالًا وَحِرْمَانًا أَنَّ عُقُوبَتَهُ قَدْ تُعَجَّلُ لَهُ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ؛ فَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِى الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِى الآخِرَةِ: مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ].

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِصِلَةِ الْأَرْحَامِ، وَجَنِّبْنَا الْفَوَاحِشَ وَالْآثَامَ.

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَخُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَأَزْوَاجِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ. اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى حَمْلِ الْأَمَانَةِ، وَجَنِّبْنَا الْغَدْرَ وَالْخِيَانَةَ، اللَّهُمَّ اجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَنَا، وَاجْعَلْ فِي طَاعَتِكَ قُوَّتَنَا، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَسَدِّدْ أَلْسِنَتَنَا، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْـمُؤْمِنَاتِ، وَالْـمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ؛ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ، اللَّهمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا لِهُدَاكَ، وَاجَعَلْ أَعْمَالَهُ فِي رِضَاكَ، وَأَلْبِسْهُ ثَوْبَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ، وَمُنَّ عَلَيْهِ بِدَوَامِ الشِّفَاءِ، اللَّهُمَّ وَوَفِّقْ وَلِيَّ عَهْدِهِ الأَمِينَ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَاجْعَلِ اللَّهُمَّ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنّاً سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت