06 يوليو 2025 | 11 محرم 1447
A+ A- A
خطبة الجمعة المذاعة والموزعة بتاريخ 27 من شوال 1446 هـ - الموافق  25 / 4 / 2025م

خطبة الجمعة المذاعة والموزعة بتاريخ 27 من شوال 1446 هـ - الموافق 25 / 4 / 2025م

25 أبريل 2025

خطبة الجمعة المذاعة والموزعة

بتاريخ 27 من شوال 1446 هـ - الموافق 25 / 4 / 2025م

خَطَرُ التَّحْرِيشِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. ))يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( [آل عمران:102]، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا( [النساء:1]، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا( [الأحزاب:70-71].

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:

لَا تَجِدُونَ مُجْتَمَعًا رَاقِيًا وَشَعْبًا مُتَآلِفًا مُتَكَاتِفًا إِلَّا إِذَا دَمِثَتْ أَخْلَاقُهُ وَلَانَتْ طِبَاعُهُ وَحَسُنَ مِزَاجُهُ، وَسَادَتِ الرَّحْمَةُ بَيْنَ فِئَاتِهِ وَطَبَقَاتِهِ وَعَمَّتِ الْمَحَبَّةُ فِي نَوَاحِيهِ وَجَنَبَاتِهِ، فَالْقُلُوبُ نَقِيَّةٌ صَافِيَةٌ وَالنِّيَّاتُ سَلِيمَةٌ طَاهِرَةٌ، وَمِثْلُ هَذَا تَدْعُو إِلَيْهِ الْفِطَرُ السَّلِيمَةُ قَبْلَ الشِّرْعَةِ الْقَوِيمَةِ، وَلَا يَزَالُ الْمُجْتَمَعُ بِخَيْرٍ مَا اتَّصَفَ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ وَاتَّسَمَ بِتِلْكَ الْعَلَامَاتِ وَالسِّمَاتِ، وَمِنَ الْبَلَاءِ عَلَى الْمُجْتَمَعَاتِ أَنْ يُبْتَلَى بِأُنَاسٍ يَسْعَوْنَ بَيْنَ الْخَلْقِ بِالتَّحْرِيشِ وَالتَّلْبِيسِ؛ فَأَلْسِنَتُهُمْ غِلَاظٌ حِدَادٌ، وَأَطْبَاعُهُمْ شَرِسَةٌ شِدَادٌ؛ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: »إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ« ]رَوَاهُ مُسْلِمٌ[.

أَيِسَ الرَّجِيمُ وَلَمْ يَفُزْ بِعِبَادَةٍ           فَأَغَارَ نَحْوَ الْخَلْقِ بِالتَّجْيِيشِ

وَأَقَامَ عَرْشًا يَسْتَحِثُّ فُلُولَهُ           فَأَصَابَ مَا يَبْغِيهِ بَالتَّحْرِيــشِ

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:

إِنَّ التَّحْرِيشَ: إِغْرَاءُ الْإِنْسَانِ لِيَقَعَ بِنَظِيرِهِ، وَيُغْرِيَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ، فَيُخْرِجَهُمْ مِنْ دَائِرَةِ التَّآلُفِ وَالتَّرَاحُمِ إِلَى التَّبَاغُضِ وَالتَّنَاحُرِ، فَالْمُحَرِّشُ يَسِيرُ عَلَى خُطَى إِبْلِيسَ، فَيُثِيرُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الْفَرُوقَ الطَّبَقِيَّةَ، وَقَدْ يَسْتَعِينُ بَالْأَشْيَاءِ الْعِرْقِيَّةِ وَالْعُنْصِرِيَّةِ، وَرُبَّمَا جَلَبَ الْأَحْقَادَ التَّارِيخِيَّةَ، حَتَّى يَحْتَقِرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَنَالَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، فَالتَّحْرِيشُ نَارٌ تَضْطَرِمُ عَلَى حَطَبِ النَّمِيمَةِ وَالْغِيبَةِ، وَإِفْشَاءِ السِّرِّ وَكَشْفِ السِّتْرِ؛ فَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: كُنَّا فِي غَزَاةٍ فَكَسَعَ – أَيْ ضَرَبَ- رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأَنْصَارِ، وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَسَمَّعَهَا اللهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا هَذَا؟» فَقَالُوا كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ يَا لَلْأَنْصَارِ، وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ» قَالَ جَابِرٌ: وَكَانَتِ الْأَنْصَارُ حِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ r أَكْثَرَ، ثُمَّ كَثُرَ الْمُهَاجِرُونَ بَعْدُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ: أَوَ قَدْ فَعَلُوا، وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعْهُ، لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ» ]رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ[. فَالتَّحْرِيشُ بِضَاعَةُ الْمُنَافِقِينَ الْمُخَادِعِينَ، وَسِلْعَةُ قَلِيلِي الْمُرُوءَةِ وَالدِّينِ.

أَيُّهَا الْمُبَارَكُونَ:

إِنَّ التَّحْرِيشَ لَمْ يَدْخُلْ مُجْتَمَعًا إِلَّا فَرَّقَهُ وَلَا يَكُونُ فِي شَعْبٍ إِلَّا مَزَّقَهُ وَبَعْثَرَهُ، وَلَا صُحْبَةٍ إِلَّا قَلَبَهَا عَدَاوَةً وَبَغْضَاءَ، وَلَا أُسْرَةٍ إِلَّا أَحَالَهَا إِلَى كَرَاهِيَةٍ وَعَدَاءٍ؛ فَالتَّحْرِيشُ مِهْنَةٌ شَيْطَانِيَّةٌ مَا تَلَبَّسَ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا أَفْسَدَ أَيَّمَا إِفْسَادٍ؛ قَالَ تَعَالَى: ]وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا[    ]الإسراء:53[، فَالْمَوْلَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى هُنَا أَمَرَ عِبَادَهُ بِأَنْ يَتَحَلَّوْا بِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ وَأَنْ يَتَسَرْبَلُوا بَأَجْمَلِ الصِّفَاتِ وَالْخِصَالِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى صَفَاوَةِ قُلُوبِهِمْ وَنَقَاوَةِ صُدُورِهِمْ، ثُمَّ حَذَّرَهُمْ مِنْ نَزْغِ الشَّيْطَانِ، وَالنَّزْغُ: هُوَ الْإِلْقَاءُ الْخَفِيُّ لِلشَّرِّ فِي الْقُلُوبِ، فَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَلَّا يَلْتَفِتُوا إِلَى الشَّيْطَانِ وَنَزَغَاتِهِ، بَلْ يَقْطَعُوا حَبَائِلَ وَسَاوِسِهِ وَأَفْكَارِهِ، وَيَحْذَرُوا مِنْ مَكَائِدِهِ وَنَخَسَاتِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا أَنَّ الشَّيْطَانَ عَدُوٌّ ظَاهِرُ الْعَدَاوَةِ عَظِيمُ الْكَيْدِ وَالْمَكْرِ، فَاحْذَرُوا طَرِيقَهُ وَاعْرِفُوا أَسَالِيبَهُ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:

إِنَّ التَّحْرِيشَ سَوْأَةٌ أَخْلَاقِيَّةٌ وَسُبَّةٌ مُجْتَمَعِيَّةٌ؛ وَلِذَا جَاءَتِ الشَّرِيعَةُ بِقَطْعِ دَابِرِهَا وَاسْتِئْصَالِ نَبْتَتِهَا وَاجْتِثَاثِ مَنْشَئِهَا؛ فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: «لَا يُبَلِّغْنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئًا؛ فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ» ]رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيرُهُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ أَحْمَدُ شَاكِرٍ[، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا» وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ» ]رَوَاهُ مُسْلِمٌ[، وَلْيُعْلَمْ أَنَّهُ مَنِ ابْتَغَى الْقَالَةَ بَيْنَ النَّاسِ وَالْوَقِيعَةَ بِهِمْ لَنْ يَجِدَ مِنَ النَّاسِ إِلَّا الِاحْتِقَارَ وَالِازْدِرَاءَ، وَالْخِزْيَ وَالْفَضِيحَةَ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ؛ فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الْإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ» قَالَ: وَنَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا إِلَى الْبَيْتِ أَوْ إِلَى الْكَعْبَةِ فَقَالَ: «مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنْكِ» ]رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ[.

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَإِخْوَانِهِ.

 أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ؛ فَإِنَّ فِي تَقْوَاهُ سَعَادَةً لِلْعِبَادِ، وَهِيَ خَيْرُ مَا يُتَزَوَّدُ بِهِ لِيَوْمِ الْمَعَادِ؛ ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ  [ ]الحشر: 18[.

أَيُّهُا الْمُسْلِمُونَ:

إِنَّ مِنْ وَسَائِلِ الْوِقَايَةِ مِنَ التَّحْرِيشِ: حُسْنَ الظَّنِّ بِالْمُسْلِمِينَ؛ قَالَ سُبْحَانَهُ: ] يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ[  ]الحجرات: 12[، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ؛ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» ]رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ[، فَحُسْنُ الظَّنِّ تَاجُ الْأَصْفِيَاءِ وَعَلَامَةُ الْأَتْقِيَاءِ الْأَوْلِيَاءِ، وَمَتَى تَخَلَّقَ الْإِنْسَانُ بِهِ أَرَاحَ وَاسْتَرَاحَ؛ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ - رَحِمَهُ اللهُ: (الْمُؤْمِنُ يَطْلُبُ مَعَاذِيرَ إِخْوَانِهِ). وَمَنْ سَاءَ عَمَلُهُ سَاءَ ظَنُّهُ؛ فَهُوَ يَرَى النَّاسَ بِعَيْنِ طَبْعِهِ لَا بِعَيْنِ إِنْصَافِهِ وَعَدْلِهِ، كَمَا قِيلَ:

إِذَا سَاءَ فِعْلُ الْمَرْءِ سَاءَتْ ظُنُونُهُ     وَصَــدَّقَ مَــا يَعْتَـــادُهُ مِـنْ تَـوَهُّمِ

وَمِنْ تِلْكَ الْوَسَائِلِ الَّتِي تَقِي مِنَ التَّحْرِيشِ: التَّثَبُّتُ وَالتَّأَنِّي وَعَدَمُ الِاسْتِعْجَالِ فِي إِصْدَارِ الأَحْكَامِ وَتَلَقُّفِ الْكَلَامِ؛ قَالَ تَعَالَى: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ  [   ]الحجرات: 6[،وَفِي الْحَدِيثِ: قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «التَّأَنِّي مِنَ اللهِ، وَالْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ» ]رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ  وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ[.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:

إِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْنَا: أَلَّا نَفْتَحَ آذَانَنَا لِأُولَئِكَ الْقَوْمِ اللِّئَامِ، الَّذِينَ لَا يَجْلِبُونَ إِلَّا السَّقَطَ مِنَ الْكَلَامِ، وَدَوَاؤُهُمُ التَّوْبِيخُ وَالتَّقْرِيعُ، وَأَنْ لَا يُمَكَّنُوا مِنْ صُدُورِ الْمَجَالِسِ، وَإِنْ تَكَلَّمُوا تَكَلَّمُوا بِقَدَرٍ، وَأَنْ لَا يُسْمَحَ لَهُمْ بِنَهْشِ لُحُومِ الْبَشَرِ، جَاءَ فِي حَدِيثِ تَوْبَةِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: (وَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ فَقَالَ: وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْقَوْمِ بِتَبُوكَ «مَا فَعَلَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ؟» قَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ يَا رَسُولَ اللهِ حَبَسَهُ بُرْدَاهُ وَالنَّظَرُ فِي عِطْفَيْهِ، فَقَالَ لَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: بِئْسَ مَا قُلْتَ، وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا) [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]، إِلَّا أَنَّ الدَّاهِيَةَ الدَّهْيَاءَ، وَالدَّاءَ الْعَيَاءَ حِينَ يَسْتَتِرُ أُولَئِكَ الْقَوْمُ خَلْفَ الْأَسْمَاءِ الْمُسْتَعَارَةِ وَالْحِسَابَاتِ الْوَهْمِيَّةِ فَيَبُثُّونَ سُمُومَهُمْ وَيُعْلِنُونَ فُجُورَهُمْ، فَحَذَارِ حَذَارِ مِنْ تَلَقُّفِ رَسَائِلِهِمْ وَنَقْلِ مَقَاطِعِهِمْ؛ فَالتَّبِعَةُ عَظِيمَةٌ وَالْمَسْؤُولِيَّةُ جَسِيمَةٌ؛ قَالَ تَعَالَى: ] وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ[   ]القلم: 10[، فَلْيَحْذَرِ الْمَرْءُ مِنَ الَّذِينَ يَمْشُونَ بِالنَّمِيمَةِ وَيَسْتَلِذُّونَ بِطَعْمِ الْوِشَايَةِ وَالْوَقِيعَةِ، فَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «الَّذِينَ إِذَا رُؤُوا، ذُكِرَ اللَّهُ تَعَالَى» ثُمَّ قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِكُمْ؟ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ، الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ، الْبَاغُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَنَتَ» ]رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ[.

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الْمُسْلِمينَ، الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْمَيِّتِينَ،، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْـمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْـمُشْرِكِينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُمَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ احْفَظْهُمَاِ بِحِفْظِكَ، وَأَلْبِسْهُمَا ثَوْبَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ وَالْإِيمَانِ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً، دَارَ عَدْلٍ وَإِيمَانٍ وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْـدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَـمِينَ.

لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة

معرض الصور

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت