16 يوليو 2025 | 21 محرم 1447
A+ A- A
خطبة الجمعة المذاعة والموزعة بتاريخ 13 من شوال 1446 هـ - الموافق  11 /4 / 2025م

خطبة الجمعة المذاعة والموزعة بتاريخ 13 من شوال 1446 هـ - الموافق 11 /4 / 2025م

11 أبريل 2025

خطبة الجمعة المذاعة والموزعة

بتاريخ 13من شوال   1446 هـ - الموافق   11 /4 /2025م

الْإِنْسَانُ بَيْنَ التَّوْفِيقِ وَالْخِذْلَانِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَلَهُ الشُّكْرُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَإِخْوَانِهِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاعْمَلُوا بِطَاعَتِهِ وَرِضَاهُ؛ ] يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ[ [الحديد: 29].

 أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:

إِنَّ الْإِنْسَانَ دَائِمُ الِافْتِقَارِ إِلَى رَبِّهِ جَلَّ وَعَلَا، لَا يَسْتَغْنِي عَنْ فَضْلِهِ وَعَوْنِهِ أَبَدًا، فَهُوَ بِحَاجَةٍ إِلَيْهِ فِي كُلِّ طَرْفَةِ عَيْنٍ وَنَفَسِ نَفْسٍ، وَمِنْ أَجْلِ هَذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَغِيثُ بِاللهِ دَائِمًا إِعْلَانًا لِافْتِقَارِهِ إِلَيْهِ، وَاعْتِرَافًا بِدَوَامِ الِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ، »يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ« [أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ].

 وَلِكُلِّ إِنْسَانٍ إِرَادَاتٌ وَحَاجَاتٌ، وَأَهْدَافٌ فِي حَيَاتِهِ وَغَايَاتٌ، وَكَمْ يَسْعَى ابْنُ آدَمَ لِتَحْقِيقِ تِلْكَ الْغَايَاتِ وَالْمَآرِبِ، وَيَبْذُلُ قُصَارَى جُهْدِهِ لِنَيْلِ تِلْكَ الْمَطَالِبِ؛ لَكِنْ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَبْلُغَ غَايَاتِهِ وَيُحَقِّقَ أُمْنِيَاتِهِ بِجُهُودٍ قَلِيلَةٍ وَيَسِيرَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْجِزُ عَنْ ذَلِكَ فَيَبُوءُ بِالْفَشَلِ وَيُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُرَادَاتِهِ؛ رَغْمَ مَا بَذَلَهُ مِنْ جُهُودٍ مُضْنِيَةٍ كَثِيرَةٍ؛ عَنِ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مُقَنَّعٌ بِالْحَدِيدِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَاتِلُ أَوْ أُسْلِمُ؟ قَالَ: «أَسْلِمْ، ثُمَّ قَاتِلْ»، فَأَسْلَمَ، ثُمَّ قَاتَلَ، فَقُتِلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَمِلَ قَلِيلًا وَأُجِرَ كَثِيرًا» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].  فَمَا السِّرُّ فِي هَذَا يَا عِبَادَ اللهِ؟.

إِنَّ النَّجَاحَ أَوِ الْفَشَلَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْأَسْبَابِ الْمَادِيَّةِ الصِّرْفَةِ، بَلْ ثَمَّةَ خَفَايَا وَأَسْرَارٌ وَرَاءَ كُلِّ نَجَاحٍ أَوْ فَشَلٍ، إِنَّهُ التَّوْفِيقُ وَالتَّسْدِيدُ وَالْإِرْشَادُ، أَوِ الْخِذْلَانُ وَالتَّخَلِّي وَالْإِبْعَادُ؛ الَّتِي يَجْعَلُهَا اللهُ فِي حَيَاةِ الْخَلْقِ وَالْعِبَادِ، فَأَوْلِيَاءُ اللهِ مُوَفَّقُونَ مُسَدَّدُونَ بِفَضْلِهِ، وَأَوْلِيَاءُ الشَّيْطَانِ مَخْذُولُونَ مَطْرُودُونَ بِعَدْلِهِ؛ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ] إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ[ [آل عمران:160]، وَقَالَ تَعَالَى: ]وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا[ [الفرقان:29]. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: (وَقَدْ أَجْمَعَ الْعَارِفُونَ بِاللهِ أَنَّ التَّوْفِيقَ:َ هُوَ أَلَّا يَكِلَكَ اللهُ إِلَى نَفْسِكَ، وَأَنَّ الْخِذْلَانَ: هُوَ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ نَفْسِكَ. فَالْعَبِيدُ مُتَقَلِّبُونَ بَيْنَ تَوْفِيقِهِ وَخِذْلَانِهِ، بَلِ الْعَبْدُ فِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ يَنَالُ نَصِيبَهُ مِنْ هَذَا وَهَذَا، فَيُطِيعُهُ وَيُرْضِيهِ وَيَذْكُرُهُ وَيَشْكُرُهُ بِتَوْفِيقِهِ لَهُ، ثُمَّ يَعْصِيهِ وَيُخَالِفُهُ وَيُسْخِطُهُ وَيَغْفُلُ عَنْهُ بِخِذْلَانِهِ لَهُ، فَهُوَ دَائِرٌ بَيْنَ تَوْفِيقِهِ وَخِذْلَانِهِ، فَإِنْ وَفَّقَهُ فَبِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَإِنْ خَذَلَهُ فَبِعَدْلِهِ وَحِكْمَتِهِ).

إِخْوَةَ الْإِيمَانِ:

إِنَّ التَّوْفِيقَ وَالْخِذْلَانَ لَا يَكُونَانِ مِنْ فَرَاغٍ وَهَوَاءٍ، وَلَا يَأْتِيَانِ مِنْ عَدَمٍ وَلَا هَبَاءٍ، وَإِنَّمَا لَهُمَا أَسْبَابٌ شَرْعِيَّةٌ تُوصِلُ إِلَيْهِمَا، وَأَبْوَابٌ عَمَلِيَّةٌ وَاقِعِيَّةٌ تَدُلُّ عَلَيْهِمَا، فَمِنْ أَسْبَابِ التَّوْفِيقِ وَالْخِذْلَانِ:

إِخْلَاصُ التَّوْحِيدِ، وَنَفْيُ الشِّرْكِ وَالتَّنْدِيدِ، فَمَنْ وَحَّدَ اللهَ تَوْحِيدًا خَالِصًا، وَنَفَى عَنْهُ الشِّرْكَ نَفْيًا صَادِقًا؛ وَفَّقَهُ اللهُ وَسَدَّدَهُ، وَمَنْ أَشْرَكَ بِهِ خَذَلَهُ وَأَبْعَدَهُ؛ قَالَ سُبْحَانَهُ: ] وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ[ [الأعراف: 96]، وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ لَقِيَ اللهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ دَخَلَ النَّارَ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ].

وَمِنْهَا: نِيَّةُ الْعَبْدِ، فَمَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ الْمُسَدَّدُ الْمَقْبُولُ، وَمَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ لِغَيْرِ اللهِ فَهُوَ الْخَائِبُ الْمَخْذُولُ، وَعَلَى قَدْرِ النِّيَّةِ تَكُونُ الْعَطِيَّةُ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ] إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ[ [الأنفال: 70]. وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ]  إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ[  [الأنفال:22-23]. وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَتِ الْآخِرَةُ هَمَّهُ: جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ: جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ» [أَخْرَجُهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].

عِبَادَ اللهِ:

وَمِنْ أَسْبَابِ التَّوْفِيقِ أَوِ الْخِذْلَانِ: عِبَادَةُ اللهِ بِإِقْبَالِ قَلْبٍ وَانْشِرَاحِ صَدْرٍ: فَمَنْ تَعَبَّدَ اللهَ بِإِقْبَالٍ وَإِخْبَاتٍ؛ مَلَأَ اللهُ قَلْبَهُ غِنًى وَكَفَاهُ هَمَّ الْحَيَاةِ، وَمَنِ انْشَغَلَ بِغَيْرِهِ شَغَلَهُ اللهُ وَأَضَاعَ دُنْيَاهُ وَأُخْرَاهُ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: »إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلَأْ صَدْرَكَ غِنًى وَأَسُدَّ فَقْرَكَ، وَإِلَّا تَفْعَلْ مَلَأْتُ يَدَيْكَ شُغْلًا وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ» [أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].

وَمِنْهَا: الْمُحَافَظَةُ عَلَى الْفَرَائِضِ الْمَكْتُوبَاتِ، وَالتَّقَرُّبُ إِلَى اللهِ تَعَالَى بِالنَّوَافِلِ مِنَ الطَّاعَاتِ؛ كَمَا فِي الْحَدِيثِ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: »إِنَّ اللَّهَ قَالَ: وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ« [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ].

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ جَلَّ فِي عُلَاهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَمُصْطَفَاهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ نَلْقَاهُ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ؛ فَإِنَّهُ مَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ كَفَاهُ، وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلًا، ] يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[ [الأحزاب:70-71].

 أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:

 وَبِقَدْرِ مُرَاعَاةِ الْعَبْدِ لِحُقُوقِ اللهِ وَقِيَامِهِ بِهَا، وَحِفْظِ حُدُودِهِ وَتَرْكِ مَحَارِمِهِ وَاجْتِنَابِهَا؛ يَكُونُ حِفْظُ اللهِ لَهُ وَتَسْدِيدُهُ إِيَّاهُ؛ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَالَ: »يَا غُلَامُ: إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ« [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ].

وَمِنْ أَسْبَابِ التَّوْفِيقِ أَوِ الْخِذْلَانِ: تَعَلُّمُ الْعِلْمِ النَّافِعِ، وَقَرْنُهُ بِالْعَمَلِ الطَّيِّبِ الصَّالِحِ، وَمِنَ الْخِذْلَانِ أَنْ يَبْقَى الْمَرْءُ جَاهِلًا، وَعَنِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ غَافِلًا؛ وَلِهَذَا غَضِبَ اللهُ تَعَالَى عَلَى الْيَهُودِ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا وَلَمْ يَعْمَلُوا، وَأَضَلَّ النَّصَارَى لِأَنَّهُمْ عَمِلُوا بِلَا عِلْمٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ أَعْرَابِيًّا عَرَضَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي سَفَرٍ، فَأَخَذَ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ - أَوْ بِزِمَامِهَا ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي بِمَا يُقَرِّبُنِي مِنَ الْجَنَّةِ، وَمَا يُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ، قَالَ: فَكَفَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ نَظَرَ فِي أَصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: «لَقَدْ وُفِّقَ، أَوْ لَقَدْ هُدِيَ»، قَالَ: كَيْفَ قُلْتَ؟ قَالَ: فَأَعَادَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَعْبُدُ اللهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ].

مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ:

وَمِمَّا يُسْتَجْلَبُ بِهِ التَّوْفِيقُ: سَلَامَةُ الصَّدْرِ وَمَحَبَّةُ الْخَيْرِ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ مِنْ نَعِيمِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ قَالَ تَعَالَى: ] وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ[ [الحجر:47]. وَمِنْهَا: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَدَوَامُ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ» قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا، وَالذَّاكِرَاتُ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ]. وَمِنْهَا أَيْضًا: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ وَصِلَةُ الْأَرْحَامِ؛ فَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ: فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].

وَمِمَّا يُسْتَجْلَبُ بِهِ التَّوْفِيقُ: الدُّعَاءُ وَكَثْرَةُ الْإِلْحَاحِ عَلَى اللهِ؛ فَإِنَّ اللهَ لَا يَرُدُّ مَنْ دَعَاهُ، وَلَا يُخَيِّبُ مَنْ رَجَاهُ؛ ]وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ[ [البقرة:186]. وَمِنْ أَعْظَمِ التَّوْفِيقِ: أَنْ يُوَفَّقَ الْمَرْءُ لِحُسْنِ الْخَاتِمَةِ؛ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ» فَقِيلَ: كَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ الْمَوْتِ» [أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ].  وَبِالْجُمْلَةِ: كُلُّ عَمَلٍ صَالِحٍ مَبْرُورٍ، مَعَ صِدْقِ النِّيَّةِ وَحُسْنِ الِاتِّبَاعِ؛ فَصَاحِبُهُ مُوَفَّقٌ مُسَدَّدٌ، وَكُلُّ عَمَلِ فُجُورٍ مَعَ سُوءِ نِيَّةٍ وَخُبْثِ طَوِيَّةٍ؛ فَصَاحِبُهُ مَخْذُولٌ مُبْعَدٌ. ] وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ[ [هود:88].

اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ عَيْشَ السُّعَدَاءِ، وَمَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ، وَالشُّكْرَ عَلَى النَّعْمَاءِ، وَالصَّبْرَ عَلَى الْبَلَاءِ، وَالنَّصْرَ عَلَى الْأَعْدَاءِ، وَنَسْأَلُكَ التَّوْفِيقَ وَالسَّدَادَ، وَالْهُدَى وَالرَّشَادَ، وَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ؛ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ. اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ أَعْمَالَهُمَا فِي رِضَاكَ، وَأَلْبِسْهُمَا ثَوْبَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ وَالْإِيمَانِ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة

معرض الصور

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت