
بسم الله الرحمن الرحيم
جائزة الكويت الدولية لحفظ القرآن الكريم وقراءاته وتجويد تلاوته إسهامات رائدة في خدمة القرآن الكريم وعلومه
بقلم الشيخ الدكتور/يوسف جمعة سلامة
خطيب المسجد الأقصى المبارك
وزير الأوقاف والشئون الدينية السابق
الحمد لله ربّ العالمين والصَّلاة والسَّلام على رسوله الأمين محمد – صلّى الله عليه وسلّم -، وعلى آله وأصحابه الطَّيبين الطَّاهرين، ومن اقتفى أثرهم وسارَ على دربهم إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
يقول الله تعالى في كتابه الكريم : {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبيرًا* وأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}.
إِنَّ للقرآن الكريم منزلة قدسية رفيعة، وفضائل جليلة مهيبة ، منشؤها أنه كلام الحق سبحانه وتعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وهو العاصم من الضّلال لمن تمسَّك به واعتصم بحبله المتين، فهو الكتاب الذي ربط بين جميع المسلمين ، وكان دستورهم في شئون دينهم ودنياهم، والروح الذي أحيا أموات أفئدتهم ، وأزال الغشاوة عن قلوبهم ، والنور الذي أضاء لهم الطريق وسلكوا به سبيل الهُدى والرّشاد، فبركة القرآن الكريم إذا تنزَّلت على القلوب أحيتها، وإذا حلّت في العقول نوّرتها، وإذا نزلت في الصدور شرحتها.
من المعلوم أنّ كل شيء يرتبط بالقرآن الكريم يُصبح عظيماً، فقد نزل سيّدنا جبريل – عليه السلام- بالقرآن الكريم فأصبح سيّدنا جبريل أفضل الملائكة، ونزل القرآن الكريم على سيّدنا محمد – صلّى الله عليه وسلّم- فأصبح سيّدنا محمد – صلّى الله عليه وسلّم- سَيِّدَ الخلق، وجاء القرآن الكريم إلى أُمَّة محمد – صلّى الله عليه وسلّم- فأصبحت أُمَّة محمد – صلّى الله عليه وسلّم- خير أُمَّة، ونزل القرآن الكريم في شهر رمضان فأصبح خير الشهور، ونزل القرآن الكريم في ليلة القدر فأصبحت خير الليالي وخيرًا من ألف شهر.
لقد كرّم رسولنا– صلّى الله عليه وسلّم- أهلَ القرآن وحفظته وَمُقْرئيه، كما جاء في قوله -عليه الصلاة والسلام- : (إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ)، ومن ذلك أنه– صلّى الله عليه وسلم – ذكر المراتب الخمسة لصاحب القرآن الكريم، وهي:
* الشفاعة: قال رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم- : (اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ).
* الرِّفعة: قال – صلّى الله عليه وسلّم-: (يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ : اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ ، كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا ، فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا).
* الصُّحبة: قال – صلّى الله عليه وسلّم-: (الْماهِرُ بالقُرْآنِ مع السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ).
* الخيرية: قال – صلّى الله عليه وسلّم-: (خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ).
* الأهلية: قال – صلّى الله عليه وسلّم-: (أَهْلُ الْقُرْآنِ، أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ).
ولهذا كان من أهم الواجبات على المسلمين العناية بكتاب الله الكريم وحفظه، وقياماً بهذا الواجب، فإن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة الكويت الشقيقة تنظم سنوياً جائزة الكويت الدولية لحفظ القرآن الكريم وقراءاته وتجويد تلاوته، تحت رعاية كريمة من صاحب السمو أمير البلاد الشيخ/ نواف الأحمد الجابر الصباح - حفظه الله-، حيث تُقام في هذه الأيام المباركة فعاليات الدورة الحادية عشرة لهذه الجائزة، والتي تهدف إلى إبراز اهتمام دولة الكويت بكتاب الله الكريم، والعناية بحفظه وتجويده وتفسيره، وتشجيع أبناء المسلمين على الإقبال على كتاب الله حفظاً وأداءً وتدبراً، وإذكاء روح المنافسة الشريفة بين حُفّاظ كتاب الله، والإسهام في ربط الأمة بالقرآن الكريم مصدر عزتها في الدنيا وسعادتها في الآخرة .
وَتُعَدّ جائزة الكويت الدولية لحفظ القرآن الكريم من أفضل المسابقات القرآنية الدولية، حيث تشهد هذه الجائزة إقبالاً كبيراً من المتسابقين من مختلف الدول العربية والإسلامية والجاليات المُسلمة في جميع أرجاء المعمورة، حيث يشارك هذا العام في هذه المسابقة (160) متسابقًا في جميع الفروع من أكثر من سبعين دولة من مختلف أنحاء العالم، وهذا خير دليل على عالميتها ، وعلى نجاحها ، وعلى مدى الإقبال عليها ، وعلى السُّمعة الطيبة التي تحظى بها هذه الجائزة الدولية.
وَسِرّ نجاح هذه الجائزة بعد فضل الله وتوفيقه، هو ذلك الدّعم والرّعاية الذي تتلقاه هذه الجائزة من قبل القيادة الرشيدة في دولة الكويت الشقيقة برئاسة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ/ نواف الأحمد الجابر الصباح -حفظه الله- وكذلك من ولي عهده الأمين سمو الشيخ/ مشعل الأحمد الجابر الصباح –حفظه الله-، والذين يقدّمون كلّ عون ومساعدة للجائزة والقائمين عليها، وكذلك الجهد المبذول من قبل معالي وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية وأسرة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، واللجنة المشرفة على الجائزة، حيث يبذلون جهوداً كبيرة، وهذا الجهد هو أساس تميزها وازدهارها من عام لآخر.
فاللجنة المشرفة على الجائزة تعمل كخلية نحل، بروح جماعية، لا تعرف الكلل والملل، ترى الابتسامة العريضة على وجوههم، مُرحبين بالمتسابقين والضيوف ، يفتحون قلوبهم وعقولهم للجميع ، يُقدمون كلّ خدمة ممكنة لراحة المتسابقين والجمهور، ومن الجدير بالذكر أنّ اللجنة المشرفة والحمد لله تضم كوادر وشخصيات على أعلى مستوى من الخبرة والكفاءة، كما أنّ الجائزة تضمّ سنوياً لجنة للتحكيم تتكون من نخبة من العلماء القُرَّاء ضمن معايير ومقاييس دولية، ولديها خبرات كافية في المسابقات الدولية، فجزاهم الله جميعاً خير الجزاء .
إِنّ جائزة الكويت الدولية لحفظ القرآن الكريم مشروع حضاري كبير لتخريج الحفظة لكتاب الله على مستوى العالم، كما وأنّ الجائزة تُجَسِّد وسطية الإسلام والاهتمام بتربية النشء على القيم الإسلامية الصحيحة.
وإنني في هذه المسابقة أتذكر أوّل مسابقة دولية للقرآن الكريم أقامتها وزارة الأوقاف في فلسطين الحبيبة سنة 2005م عندما كنتُ وزيراً للأوقاف، حيث شارك فيها متسابقون من أكثر من ثلاثين دولة من مختلف أنحاء العالم، فكانت مُناسبة طيِّبة لتذكير الأمة بالقبلة الأولى ومسرى نبيِّها محمد– صلّى الله عليه وسلّم - ، ومن خلال إشرافي على تلك المسابقة وما رافقها من فعاليات بالتعاون مع زملائي الكرام في الوزارة وقتئذ، فإنني أشيد بجهود أسرة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة الكويت الشقيقة بقيادة معالي الوزير، واللجنة المشرفة على الجائزة بقيادة الأخ المهندس/ فريد عمادي وكيل وزارة الأوقاف، وجميع اللجان الفرعية للجائزة، شاكراً لهم هذا العمل الطيب ، وهذا الإعداد الكريم .
إِنَّ هذه الجائزة المباركة رصيد يُضاف إلى سِجِلّ دولة الكويت في خدمة القرآن الكريم وأهله، وتأسيس المقارئ ودور تحفيظ القرآن الكريم، وطباعة المصحف الشريف، وإقامة الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم، وكليات وأقسام القرآن الكريم والقراءات، وإذاعة القرآن الكريم، والهيئة العامة للعناية بطباعة ونشر القرآن الكريم والسُّنة النبوية وعلومهما، والصندوق الوقفي للقرآن الكريم وعلومه، وبهذه المناسبة فإننا نُثمن الرّعاية الكريمة من صاحب السمو أمير البلاد -حفظه الله- لكل ما يتعلق بالقرآن الكريم وأهله، داعياً الله أن يبارك في الجميع وَيُسَدِّدَ الخطى لكل من يعمل في خدمة القرآن الكريم وأهله، وأن يُديم على دولة الكويت الشقيقة نعمة الأمن والأمان.
هذا هو القرآن الكريم، دستورنا الخالد، ومصدر عِزَّتنا وكرامتنا، علينا أن نقرأه، ونتدبّر معانيه، ونعمل بأحكامه، وأن نُعلِّمه لأبنائنا وفلذات أكبادنا، حتى نكون من السّعداء في الدنيا، والفائزين في الآخرة إن شاء الله .
اللهُمّ اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا يا ربّ العالمين .
وصلّى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين